Tuesday, January 20, 2009

الطفلة مريم أدهشت بعبادتها أحبار اليهود وتصدقت بطعامها للفقراء وكفلتها الملائكة قبل النبي زكريا





نشر بجريدة الدستور 7 يناير 2009
هانى عبد النبى

بعد أن أكملت مريم ثلاث سنوات توجهت في صحبة أمها إلي الهيكل في تأكيد لنذرها التي دعت ربها أن يقبله «فتقبلها ربها بقبول حسن» لتأتي مرحلة الطفولة في حياة العذراء مريم لتؤكد الكمال الواضح في طفولتها في هذه الفترة فهي لم تطلب شيئاً ولم تدلل كباقي الاطفال فهي مولودة لان تكون رمزا للطهارة والعفة في كل المناسبات لذلك فإنها بعد وفاة والدها تصارع الاحبار علي من يكفلها فخرج نبي الله زكريا طالبا كفالته له كونه زوج خالتها لكن الجميع من الأحبار رفضوا طلب زكريا وأصروا علي موقفهم من كفالتها
ذلك اقترح زكريا أن يلقوا بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة في نهر الاردن ومن يستقر قلمه يكفلها ليلقي ذلك ترحيباً لتأتي الآية الكريمة « وما كنت لديهم اذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون» ليكفلها زكريا بعد أن ظهر قلمه في النهر وجاءت مرحلة المعيشة مع زكريا مختلفة تماما عن التي عاشتها في الهيكل قبل وفاة أبيها فقد اعتادت منهما أن يرينها في الاعياد الدينية حتي يقدما مزيدا من المأكولات والمشروبات والملبس كعادة الآباء والامهات ممن قدموا أبناءهم للمعيشة في الهيكل لخدمة العبادة بالاطمئنان علي ابنتهمال التي أتي بها الله بعد عقم دام لسنوات طويلة فقد اتسمت حياتها بالروحانية في حالة نادرة من الوجود البشري حتي بين الانبياء فجميعهم واجهوا مشاكل حياتية جعلتهم يتركون العبادة ليواجهوا مشكلات الرسالة التي يحملونها فقد ظلت في حجرتها تعبد الله ولا تري أحداً سوي نبي الله والخادمة التي أتي بها لترعي شئونها وبالرغم من العلاقة الروحانية بينهم إلا أنه اعتاد أن يستأذن قبل الدخول عليها ليقدم لها المأكل والمشرب ليشاء الله أن يكتب عليها اليتم من الام بعد الاب لتحرم من لحظات التدليل النادرة التي عاشتها أثناء زيارتها لها في المناسبات لتظل سنيدة نفسها وتظل تحت رعاية النبي زكريا لتنفصل عن كل ما يتصل بالعالم الخارجي ويصبح الهيكل حياتها والعبادة طريق الطهارة.ظهرت نبوءة مريم منذ طفولتها حيث تأكد لنبي الله زكريا مكانة مريم جيدا بعد رؤيته للفاكهة التي اعتادت أن تقدمها له كلما رأته حتي أنه اندهش كثيرا من امرها كون ماتقدمه من فاكهة في غير الأوان المعروف حيث عهد عنها قال تعالي «كلما دخل عليه زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يامريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب» وظهور قيمة مريم الانسانية جاء في مواقف عديدة حملت فضائل شهد لها الجميع فالتواضع الذي صحب أفعالها خير شاهد علي جميع المواقف التي عرفت عنها حيث لم تختلف نظرة مريم إلي من حولها بعد التقدير الذي نالته من الاحبار طيلة سنوات المعيشة بالهيكل كما عرف عنها الايمان والتصديق وهو أمر غير مألوف علي البشر، فلما أنزل الله جبريل بالرسالة مؤكدا قدوم المسيح للدنيا لم تكذب ولم ترفض وانما جادلت لاستيضاح يحدث معها ولان الروحانية تتطلب التركيز الشديد في العلاقة بين المؤمن وربه، أعطت العذراء مريم درسا قاسيا في تعلم الواجبات التي يجب أن يكون عليها المؤمن حيث ظلت سنوات المعيشة في الهيكل تقدس الصمت والسكون والتأمل الروحاني حتي تتأمل النعمة التي أفاض الله عليها دون غيرها لتؤكد لنساء العالمين أن الصمت سمة النبلاء من السيدات ولعل هذا يعلمنا كيف يستفيد الانسان من السكون ولا يتكلم إلا عند الحاجة وعند الضرورة وهو ما أكدته الآيات الكريمة «واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا» والدليل الدنيوي الحقيقي هو علاقة مريم بالملائكة التي أفاضت عليها بنعم من ربها ولو وضع أي انسان في مكانها لانزعجت ودهشت وظلت تروي للجميع علي الأقل من الاحبار المعروفين بتدينهم، ورغم الوحدة التي عاشتها خلال مسيرتها في الهيكل طيلة 9 سنوات تقريبا لم تؤثر وحدتها في علاقتها بالآخرين ممن حولها فكانت دائما طوعا لخدمة الجميع دون تردد لتؤكد أن الصمت ليس له علاقة بالخدمة العامة التي نذرها والداها قبل ولادتها ولان الحياة في الهيكل كانت مليئة بالعمل الشاق لم تتوان ولو للحظة في القيام بالأعمال المطلوبة منها التي اعتادت فيها أن تقوم بما لا يستطيع عمله الرجال علما بأنها حتي لحظة مغادرة الهيكل لم تنعم بوصف الطفولة ومن هنا تعطي مريم درسا جديداً في كيفية ما يكون عليه الانسان وهو العطاء، فقد وهبته ما لديها من وقت في العمل والصلاة التي عرف عنها القيام بصلوات بخلاف التي تقوم بها مع الآخرين في الهيكل .عاشت مريم في الهيكل ما يقرب من تسع سنوات متواصلة في تعبد دائم حرصت خلاله علي حضور الصلوات بشكل منتظم ومتابعة العبادات وللجميع أن يقف أمام هذه الحالة النادرة إذ إنها أيقنت تماما أهمية العبادة وهي في سن لا يستطيع فيه الطفل أن يحدد مصيره الفكري سواء دينياً كان أو دنيوياً لذلك تجلت العبقرية الروحانية التي صاحبت طفولتها وتصديقا لكمالها الذي اصطفاه بها الله علي نساء العالمين « وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين» قدمت عطاء بلا حدود في العبادة والمعاملة فقد فضلت اعطاء كل ما يأتيها من طعام للأطفال الفقراء حتي أنها كانت لا تأكل نهائيا لفترات طويلة فكرمتها الملائكة بوضع مأكولات لها حتي تستعيد عافيتها وهو ما فسره الجميع بصيام وزهد لله تعالي مما جعل كبار الاحبار بالهيكل يندهشون من تصرف تلك الطفلة التي يحبها الجميع من أطفال حتي أنها لم تحدث أي مشاجرة مع أحد من الاطفال ممن يعيشون معها في الهيكل طيلة اوقات الدراسة التي تعلموا فيها العبادات.اختلف المسيحيون حول الفترة الأولي في حياة مريم فهناك من يؤمن أنها ولدت بلا خطيئة وهي الكنيسة الكاثوليكية ويروي أنها بدأت بعد أن رأتها فتاة تدعي برناديت سنة 1849 ميلادية ويختلف الارثوذوكس مع الكاثوليك مبررين رأيهم علي سند أنه لا يجوز أو يصح أن يبني تعليم علي حلم أو روؤيا.مرت السنون وأصبح زكريا شيخا كبيراً، ولم يعد قادراً علي خدمة مريم كما كان يخدمها، فخرج علي بني إسرائيل، يطلب منهم كفالة مريم، فتقارعوا بينهم حتي كانت مريم من نصيب ابن خالها يوسف النجار وكان رجلاً تقيا شريفا خاشعا لله في مشهد مكرر من المشهد الأول مع نبي الله زكريا وظل يوسف يخدمها حتي بلغت سن الشباب، فضربت مريم عندئذ علي نفسها الحجاب، فكان يأتيها بحاجتها من الطعام والماء من خلف الستار وبعد ذلك ابتعدت مريم عن الناس، وأصبح لايراها أحد ولاتري أحداًوالحال نفسه حيث أكدت الكتابات المسيحية خروج مريم لانه من الاعراف التي استقرت في الهيكل وقتها أن تخرج الفتيات من الهيكل حتي يكملن حياتهن الشخصية لتخرج العذراء من الهيكل بعد أن أكملت عامها الثاني عشر وهو سن البلوغ بالنسبة للفتيات التي يقضي قانون الهيكل خروجهن للحياة العامة
.

No comments: